ملف خاص| الجزائر على أعتاب ثورة طاقوية جديدة
الجزائر على أعتاب ثورة طاقوية جديدة
الجزائر تشهد اليوم تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في منظومتها الطاقوية، يعبّر عن انتقال تدريجي من نموذج تقليدي قائم على الموارد الهيدروكربونية إلى منظومة أكثر تنوّعاً واستدامة، ويعكس ذلك رغبة واضحة في إعادة تشكيل دور الطاقة كمحرك اقتصادي واجتماعي، مع الحفاظ على مكانة البلاد في أسواق الطاقة الإقليمية والدولية
هذا التحول ينبع من تلاقي عوامل داخلية وخارجية، فهو مرتبط بتطلعات وطنية لتعزيز الأمن الطاقوي وتوظيف الموارد المحلية في تطوير الصناعة الوطنية، كما يرتبط بمتغيرات عالمية دفعت إلى تسريع استثمارات الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة، وبالتالي أصبح من الضروري بناء استراتيجيات تواكب التغيرات وتحقق تنمية مستدامة
المرحلة الراهنة تتطلب تحديث البنى التحتية وتوسيع شبكات النقل والتوزيع، مع تطوير قدرات توليد الكهرباء من مصادر نظيفة وتحسين إدارة الاحتياطات التقليدية، ويقتضي ذلك تنسيقاً مؤسساتياً وسياسياً بين الجهات المعنية، بالإضافة إلى تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع العلمي، لضمان نقل تقنيات حديثة وتوطين صناعات مرتبطة بسلاسل القيمة الطاقوية
على صعيد الاقتصاد، يرتبط هذا التحول بفرص واسعة لتنويع المصادر وتوسيع قاعدة فرص العمل، فاستثمارات الطاقة المتجددة وصناعات الخدمات المساندة تفتح آفاقاً لتطوير المهارات المحلية وخلق قطاعات جديدة قادرة على استيعاب اليد العاملة، كما تساهم مبادرات الكفاءة الطاقوية في خفض التكاليف التشغيلية للقطاعات الإنتاجية وتعزيز تنافسيتها
التحديات أمام هذه الثورة الطاقوية ليست بالنقصان، فهي تشمل الحاجة إلى تمويل طويل الأجل، وإرساء أطر تنظيمية واضحة، وتوفير برامج تدريبية متخصصة، كما تتطلّب معالجة فارق التكنولوجيا وتكييف السياسات لتعزيز المناخ الاستثماري، ومع ذلك تظل الإرادة السياسية والدفع الحكومي عوامل حاسمة في تحويل الرؤية إلى واقع ملموس
دور الجزائر الإقليمي قد يتعاظم مع نجاح هذا الانتقال، فوجود بنية طاقوية متنوّعة ومستقرة يمنحها قدرة أكبر على المساهمة في أمن الطاقة في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، كما يتيح لها لعب دور فاعل في مبادرات التعاون الإقليمي والبيئي، لذا فإن دمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية يبقى ضرورة للتعامل مع تحديات المستقبل
خلاصة القول إن الجزائر تقف اليوم أمام فرصة حقيقية لإطلاق مرحلة جديدة من التطور الطاقوي، تتطلب خطوات مدروسة واستثمارات مستدامة وسياسات شفافة، ومع تكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية ستتحول هذه الرؤية إلى مسار عملي يعزز التنمية ويضمن استدامة الموارد للأجيال القادمة


تعليقات