بسبع أرواح.. 4 نقاط تكشف كيف نجا سندرلاند من شباك أرسنال وأشعل المنافسة من جديد

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


كتب : منصور مجاهد

في عالم الساحرة المستديرة، هناك فرق تُهزم نتيجةً، وأخرى تُهزم أداءًا، وهناك من لا يُهزم أبدًا — لأنه ببساطة يرفض الموت أو الإستسلام خاصة إن كانت المباراة على ملعبه ووسط أنصاره، وسندرلاند، أو كما يُلقّب بـ “القطط السوداء”، أثبت الليلة أن لقبه ليس صدفة، وأن القطط فعلًا تمتلك سبع أرواح، تعود كلما ظن الجميع أن النهاية قد كُتبت.

وهناك في ملعب “ستاديوم أوف لايت”، حيث تختلط العاطفة بالصخب، وحيث الجمهور يملأ المدرجات بأملٍ لا ينكسر، كانت القصة تبدو محسومة، أرسنال — فريق ميكيل أرتيتا المنظم، المتصدر، الباحث عن التتويج الغائب — يواصل زحفه نحو اللقب، متقدمًا بهدفين لهدف، يسيطر على كل إيقاع من المباراة وخاصة الشوط الثاني، ويمسك بزمامها كما يفعل فريق يعرف طريقه نحو البطولات.

لكن كرة القدم، بطريقتها القاسية والعادلة في آن واحد، احتفظت ببعض السطور الأخيرة لسندرلاند، لتكتب فيها فصلاً جديدًا من حكاية “الفريق الذي لا يموت” خاصة على ملعبه الذي لم يعرف فيه معنى الخسارة طوال الموسم الجاري.

فعندما بدأت جماهير أرسنال في الاحتفال بمواصلة سلسلة الفوز والانتصارات التي وصلت إلى 10 مباريات في جميع البطلولات، أتت الدقيقة 94، وبينما عقارب الزمن تكاد تلامس صافرة النهاية، ظهر “القط الأسود” بريان بروبي الذي حل بديلًا قبل تلك اللحظة ب30 دقيقة، ليخطف نقطة من فم الأسد اللندني ويتعادل لإصحاب الدار بنتيجة 2-2، ويحوّل صدارة الدوري إلى سباق مشتعل بين أرسنال وليفربول ومانشستر سيتي.

شمس الدين طالبي – سندرلاند (Gettyimages)

فباتت المنافسة في الدوري الأقوى عالميًأ على أشدها كالمعتاد، وأصبحت الفوارق قريبة بين بين المركز الأول والسادس، فبهدف سندرلاند اشتعل الصراع وبات على أشده، والفضل يعود للفريق الصاعد حديثًأ للبريميرليج، وكأن مباراته اليوم كانت صرخة حياة من فريقٍ عاد ليقول: “لسنا هنا لنسد خانة في جدول الترتيب، نحن هنا لنُربك الكبار”.

قصة المباراة.. من صبرٍ تكتيكي إلى لدغة في الوقت القاتل

اختار مدرب سندرلاند أن يبدأ اللقاء بحذرٍ ذكي، لا بخوف، فتراجع الفريق إلى مناطقه الأخيرة، مع تنظيم دفاعي محكم، وتضييق المساحات أمام تحركات أوديجارد وتروسارد، والاعتماد على الضغط المنظم في الثلث الأوسط.

وفي الدقيقة 36، ومن نصف فرصة، باغت دانيال بالارد دفاع أرسنال وسجل هدف التقدم بعد سوء تمركز واضح من الثنائي جابرييل وكالافيوري، كانت النتيجة مفاجئة، لكن الأداء لم يكن كذلك؛ سندرلاند لعب وكأنه يعرف أن اللحظة ستأتي، وأن الصبر هو السلاح الأقوى أمام فريقٍ يملك كل شيء إلا التواضع أمام الصعاب.

القنوات الناقلة لمباراة أرسنال ضد سندرلاند بالجولة 11 من الدوري الإنجليزي
بوكايو ساكا – أرسنال – المصدر (Getty images)

ورغم الاستحواذ الطاغي لأرسنال، فإن كل هجمة لسندرلاند كانت تهديدًا حقيقيًا، خصوصًا عبر إسيدور الذي أرهق دفاع الجانرز بفضل سرعته في التحولات، فينتهي الشوط الأول بتقدم أصحاب الديار 1-0 بالنتيجة

الشوط الثاني.. انتفاضة الجانرز ثم معجزة القطط

مع بداية الشوط الثاني، أظهر أرتيتا وجهه الحقيقي، فدفع بفريقه للأمام، وأحكم السيطرة على وسط الملعب، وواصل الضغط والاختراق من العمق حتى نجح بوكايو ساكا في إدراك التعادل في الدقيقة 53 بعد تمريرة رائعة من أوديجارد، ثم أضاف لياندرو تروسارد الهدف الثاني في الدقيقة 74 من تسديدة صاروخية لا تُصد ولا تُرد.

في تلك اللحظة، بدا أن أرسنال في طريقه لتحقيق فوزه السادس تواليًا في البريميرليج، وأن سندرلاند لن يخرج سوى برأسٍ مرفوعة لا أكثر بعد أن أحرج متصدر الدوري في الشوط الأول.

لكن، كما هي العادة في قصص “البلاك كاتس”، لا تُكتب النهاية إلا عندما تُقرر هي ذلك، استمر الفريق في الضغط على الرغم من الإرهاق، واستغل التراخي في دفاع أرسنال، حتى جاءت الدقيقة 94.

كرة عرضية بدت عادية، أخطأ الحارس دافيد رايا في التعامل معها، فانقض البديل بريان بروبي كالأسد التي ينتظر القفزة الأخيرة، وسجل هدف التعادل الذي فجّر مدرجات ملعب النور.

إحصاءات المباراة النهائية في ديربي لندن

الإحصائية أرسنال سندرلاند
الاستحواذ 64% 36%
التسديدات 13 4
التسديدات على المرمى 7 2
الأهداف المتوقعة (xG) 2.9 0.44
الأهداف 2 2
الركنيات 2 2
الأخطاء المرتكبة 13 13

ورغم التفوق الإحصائي الواضح، إلا أن سندرلاند تفوق في التوقيت، وهو العامل الذي يفصل بين من يفوز بالأرقام ومن ينجو بالروح والاصرار من قلب الخسارة.

4 نقاط تكشف لماذا يصعب هزيمة فريق سندرلاند؟

من يشاهد سندرلاند هذا الموسم، يكتشف أن الصعود إلى البريميرليج لم يكن مجرد “عودة تاريخية”، بل بداية مشروع تكتيكي متكامل، أعاد تعريف معنى الفريق المنضبط والمقاتل.

جراناتشو - تشيلسي ضد سندرلاند - (المصدر: gettyimages)
جراناتشو – تشيلسي ضد سندرلاند – (المصدر: gettyimages)

ورغم فارق الإمكانيات الكبير بينه وبين كبار الدوري، إلا أن “القطط السوداء” أثبتت أن التنظيم والذكاء التكتيكي يمكن أن يعوّضا غياب النجوم، فما الذي يجعل هزيمة سندرلاند مهمة شبه مستحيلة؟

أولًا: تنظيم دفاعي بكتلة واحدة

سرّ صلابة سندرلاند يبدأ من الانسجام بين خطوطه الثلاثة، الفريق لا يدافع كأفراد، بل كوحدة واحدة تتحرك بانضباط دقيق داخل مساحات ضيقة، عند فقدان الكرة، يتراجع الجناحان فورًا لتشكيل خط خماسي أمام منطقة الجزاء، مما يجعل اختراق العمق شبه مستحيل.

المدافعان بالارد وماييدا يتميزان بالقراءة المسبقة للتحركات، فيما يؤدي لاعبا الوسط نوح صديقي دور “الحاجز المزدوج” أمامهما، لتتحول المساحات بين الخطوط إلى منطقة محظورة.

ما يميز التنظيم الدفاعي أكثر هو المرونة في التمركز — فعندما يواجه سندرلاند فريقًا يعتمد على اللعب عبر الأظهرة (مثل أرسنال أو تشيلسي)، يتحول شكل الفريق من 4-2-3-1 إلى 5-4-1، ليغلق الأطراف ويجبر الخصم على التمرير الأفقي.

بهذا الشكل، لا يُمنح المهاجمون أي عمق حقيقي، ويُجبر الخصم على التسديد من خارج المنطقة لتصبح  تسديدات المنافسين هي الأمل الوحيد أمام الخصوم، خاصة وإن كانت على ملعب النور.

ثانيًا.. التحولات السريعة والمرتدات المنظمة

إذا كان الدفاع هو القاعدة الأولي عند المدرب الفرنسي ريجيس لي بري، فإن التحول الهجومي هو السلاح السري في كتيبة القطط،  ففور استعادة الكرة، يتحول سندرلاند من حالة الدفاع الكامل إلى الهجوم في أقل عدد من التمريرات والتي من الممكن أن تصل إلى ثلاث تمريرات فقط.

تبدأ العملية عادة من الارتكاز، بتمريرة طولية نحو الجناحين لوفي وتراوري وأحيانا إيسيدور، اللذين يتحركان بسرعة كبيرة في المساحات خلف الأظهرة، هذه السرعة في التحول تجعل الفريق قادرًا على معاقبة أي خصم متقدم بخطوطه، وهو ما حدث أمام برينتفورد وتشيلسي وحتى أرسنال.

سندرلاند- (المصدر:Gettyimages)
سندرلاند- (المصدر:Gettyimages)

المدرب اعتمد مؤخرًا على قاعدة “الكرة الأولى للأطراف، الثانية للمنطقة”، أي أن الهدف من المرتدة ليس الوصول السريع للمرمى، بل تحريك الخصم أفقيًا ثم ضرب العمق لاحقًا، وهي فكرة تشبه إلى حد كبير أسلوب دييجو سيميوني في أتلتيكو مدريد، وهو ما يفسر لماذا يسجل الفريق كثيرًا من الكرات العرضية المتأخرة، وليس من الهجمات المباشرة.

ثالثًا.. الانضباط الذهني والثقة في الخطة

الروح القتالية التي يظهر بها اللاعبون لا تأتي من العاطفة فقط، بل من الثقة في النظام، حتى عندما يتأخر الفريق في النتيجة، لا يندفع اللاعبون بعشوائية، بل يواصلون الالتزام بنفس النسق التكتيكي، وكأنهم واثقون أن فرصتهم ستأتي.

هذا الانضباط الذهني يجعل الفريق يحتفظ بتركيزه حتى اللحظة الأخيرة — والدليل أن 54% من أهداف سندرلاند هذا الموسم جاءت بعد الدقيقة 80، وتحديدا 6 أهداف خلال 11 مباراة جاءت بعد الدقيقة 80، وهي النسبة الأعلى بين فرق النصف الأعلى من الجدول.

سندرلاند ضد كوفنتري سيتي
سندرلاند ضد كوفنتري سيتي

كذلك يعتمد الجهاز الفني على تدوير الأدوار دون الإخلال بالبنية الخططية؛ أي أن كل بديل يعرف تمامًا أين يقف ومتى يضغط ومتى يتراجع، وهذا ما ظهر بوضوح في هدف التعادل أمام أرسنال، حين دخل البديل بريان بروبي في الدقيقة 63، وتمركز بدقة بين قلبي الدفاع، ليقتنص الكرة في الثواني الأخيرة.

رابعًا.. التعامل الذكي مع الكرات الثابتة

في مباريات الدوري الإنجليزي، حيث التفاصيل تصنع الفارق، تحوّل سندرلاند إلى فريق متخصص في استغلال الكرات الثابتة، سجل الفريق 5 أهداف من أصل 14 من الركلات الركنية والكرات العرضية حتى الآن، بينها هدف اليوم في مرمى أرسنال، وهو رقم يعكس العمل التدريبي الواضح في هذه الجزئية.

يقف المهاجم الأول عادة على القائم القريب لجذب المدافعين، بينما يتحرك لاعبان من الخلف نحو القائم البعيد بتوقيت مثالي، مستغلين ضعف الرقابة، هذا النمط يتكرر بشكل مدروس، ما يجعل الكرات الثابتة سلاحًا تكتيكيًا حقيقيًا، لا مجرد فرصة عشوائية.

سندرلاند على ملعبه.. القطط التي لا تموت

أرسنال خسر نقطتين، لكنه كسب درسًا؛ أما سندرلاند فخطف نقطة، وكسب احترام الجميع، ليبرهن أنه فريق منيع على ملعبه، في موسمٍ بدا أن المنافسة فيه محسومة للكبار، جاء فريق من الشمال ليذكّرنا بأن كرة القدم لا تُلعب بالأسماء ولا بالميزانيات، بل بالقلب والإصرار والروح التي ترفض السقوط.

وفي ليلة باردة في ستاديوم أوف لايت، تكررت الحكاية القديمة لفريق بلاك كاتس وعشاقه في كل إنجلترا: “القطط السوداء لا تموت.. فقط تنتظر اللحظة المناسبة لتنقض”.





‫0 تعليق

اترك تعليقاً