كيف نجحت حيلة خارج المستطيل الأخضر في إيقاف أهم أسلحة أرتيتا مع أرسنال؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في كرة القدم، لا تُكسب كل المعارك داخل المستطيل الأخضر فقط، أحيانًا، تُحسم المباريات قبل صافرة البداية، في التفاصيل التي لا تُرى، وفي الأفكار التي تتسلل من عقول المدربين قبل أن تطأ أقدام اللاعبين العشب، فبينما يلهث العالم خلف التكتيك والضغط العالي والتحولات السريعة، هناك من يؤمن بأن الذكاء يمكن أن يكون أقوى من اللياقة، وأن لافتة إعلانية قد تُعادل خطة دفاعية محكمة أمام أرسنال.

في مشهدٍ نادرٍ من الحيلة والدهاء، قرر ريجيس، المدير الفني لفريق سندرلاند، أن يواجه أرسنال — أحد أكثر فرق أوروبا تطورًا من حيث التفاصيل التكتيكية — بسلاحٍ غير متوقع: حيلة من خارج المستطيل الأخضر، النتيجة؟ تعادل بطعم الانتصار، وإيقافٌ لآلة أرتيتا المنظمة التي اعتادت تحويل الكرات الثابتة إلى أهداف جاهزة للتنفيذ.

سندرلاند – أرسنال (المصدر:Gettyimages)

ريجيس يتغلب على أرتيتا بطريقة غير متوقعة

سندرلاند، الصاعد حديثًا إلى البريميرليج، أوقف سلسلة انتصارات أرسنال بعد تعادلٍ مثير بنتيجة 2-2 مساء السبت، في مباراة حبست الأنفاس حتى اللحظات الأخيرة، النتيجة وحدها ليست المفاجأة، بل الطريقة التي وصل بها ريجيس إليها.

فالعالم كله يعرف أن نقطة قوة أرسنال تحت قيادة ميكيل أرتيتا تكمن في الكرات الثابتة، وخاصة الركلات الركنية، حيث صنع منها المدفعجية نصف انتصاراتهم تقريبًا في المواسم الأخيرة، كل خصومهم حاولوا التعامل مع هذا السلاح بالوسائل التقليدية: التمركز، الرقابة، أو تجنّب ارتكاب الأخطاء قرب منطقة الجزاء، لكن ريجيس اختار طريقًا آخر.. حلًا عبقريًا خارج الصندوق، أو المستطيل إن صح التعبير.

ملعب النور – سندرلاند (المصدر:Gettyimages)

قبل المباراة، أمر المدرب الفرنسي بتقريب لوحات الإعلانات المحيطة بالملعب من خط التماس ومنطقة الركنيات، لدرجة جعلت لاعبي أرسنال غير قادرين على أخذ راحتهم المعتادة في تنفيذ الركلات الثابتة أو التماس الطويل الذي يعتمد عليه الفريق كثيرًا كوسيلة هجومية.

فجأة، تحوّلت واحدة من أخطر أسلحة أرتيتا إلى مجرد فرصة ضائعة، لم يستطع ساكا أو أوديجارد إيجاد المساحة الكافية للعب في الزوايا المعقدة التي تُميز أرسنال، واضطروا إلى الاعتماد على اللعب المفتوح، وهو ما منح سندرلاند فرصة للضغط والارتداد وتنظيم دفاعه بارتياح أكبر.

سندرلاند- (المصدر:Gettyimages)
سندرلاند- (المصدر:Gettyimages)

خطة اللوحات الإعلانية لم تكن وليدة الصدفة

من يعرف ريجيس يدرك أنه لا يؤمن بالحظ، هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها “خدعة اللوحات”، فقد بدأ الأمر من مباراة الصعود إلى البريميرليج أمام شيفيلد يونايتد الموسم الماضي، حين لجأ الفرنسي إلى الحيلة نفسها بعد أن تلقى درسًا قاسيًا أمام كوفنتري، حين خسر بثلاثية نظيفة من كرات ثابتة، يومها، قرر أن يُغيّر “البيئة” نفسها، لا فقط طريقة اللعب.

والنتيجة؟ هدف في الدقيقة الـ95، وصعود تاريخي إلى الدوري الممتاز، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الفكرة جزءًا من فلسفته التكتيكية: أن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفارق الكبير.

تصريحات تكشف عن ما وراء الكواليس

بعد مباراة أرسنال، قال ريجيس في تصريحات لوسائل الإعلام:

“كنا تحت الضغط في بعض اللحظات، نحن فريق جديد وشاب، شعرنا بجودة المنافس وكثافة أدائه، حاولنا إيجاد التفاصيل الصغيرة التي تمنحنا الأفضلية، هم أقوياء في الكرات الثابتة، لكننا أيضًا جيدون، والمباراة كانت متكافئة في هذا الجانب”.

كلماته التي بدت عادية في ظاهرها كانت إشارة ذكية إلى خطته الخفية — تلك “التفاصيل الصغيرة” التي غيّرت موازين اللقاء، والتي كانت بدورها حلاً من خارج حدود المستطيل.

ليست خدعة.. بل درس في التفكير خارج الصندوق

ما فعله ريجيس ليس مجرد “حيلة”، بل درس في التفكير خارج الصندوق، كرة القدم الحديثة أصبحت علمًا متشعبًا، ولكنها ما زالت تحتفي بالمفاجأة، لقد أثبت ريجيس أن الحدّ الفاصل بين العبقرية والجنون أحيانًا هو “سنتيمتر” واحد، يمثل المسافة التي اقتربت بها اللوحات من الخط الأبيض.

وبينما يبحث أرتيتا الآن عن طريقة لإعادة ضبط أحد أهم أسلحته، يمكن القول إن سندرلاند خطا خطوة جديدة نحو ترسيخ اسمه كأحد أكثر الفرق جرأة وابتكارًا في البريميرليج.

من دوري الدرجة الـ“تشامبيونشيب” إلى المراكز الأربعة الأولى في البريميرليج، هذا إنجاز لا يمكن التغافل عنه، ومن خلال “تفصيلة” ظنها الجميع بسيطة، صنع ريجيس لنفسه مكانًا في صفحات الحكايات لا في كتب التكتيك.

كرة القدم ما زالت لعبة أفكار قبل أن تكون لعبة أقدام

في زمنٍ تهيمن فيه الأرقام والإحصائيات، جاءت خدعة اللوحات لتُذكرنا أن كرة القدم ما زالت لعبة أفكار قبل أن تكون لعبة أقدام، وأن الذكاء حين يتجسد في تفصيلة صغيرة، يمكن أن يوقف أقوى المنظومات وأشرس المدربين.

وهكذا، لم يكن التعادل مع أرسنال مجرد نقطة في جدول الدوري.. بل علامة استفهام كبيرة في عقل أرتيتا، وإشارة إعجاب في دفتر المدرب الفرنسي الذي صنع الحدث من خارج المستطيل الأخضر.





‫0 تعليق

اترك تعليقاً