أقدم أبراج الحمام في الوقف بقنا بعد الإبادة الجماعية للحمام الجبلي
تُعتبر أبراج الحمام الجبلي في مركز الوقف علامة بارزة تجمع بين التراث والطبيعة، إذ ظلت هذه الأبراج شاهدة على أكثر من مئة عام من تاريخ تربية الحمام في المنطقة. هذا النوع النادر من الطيور المهاجرة وجد في تلك الأبراج مأوى آمناً، بعدما شادها الأجداد وانتقلت إلى الأبناء والأحفاد الذين يتنافسون في جذب الحمام لاختيار بيوتهم المصنوعة من الطوب اللبن الذي يساعد في مقاومة تقلبات الطقس.
في مركز الوقف، تنتصب أبراج الحمام على أسطح المنازل مبنية بالطوب اللبن، مشكّلة مشهداً مألوفاً يرمز إلى تقاليد عريقة. تنتشر فيها جميع أنواع الحمام المهاجر الذي يجد هناك بيئة مناسبة للتعشيش والتزاوج. ويعود وجود هذه الأبراج إلى أكثر من قرن، حيث تحرص الأسر على بنائها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكنية، نظراً لطبيعة الحمام التي تفضل العيش قرب الترع والجبال والمزارع الزراعية.
يبدأ الحمام رحلته اليومية مع شروق الشمس، يطير لمسافات طويلة بحثاً عن الغذاء في الحقول المحيطة، ويستمر في رحلته حتى غروب الشمس. يعرف أصحاب الأبراج أهمية تقديم الطعام بوفرة لجذب هذه الطيور، مما يساعد في استقرارها في أماكن السكن الخاصة بها، ويعزز انتماءها للأبراج المنتشرة في النواحي المختلفة من المركز.
يروي أحد أصحاب أبراج الحمام أن هناك عشرات الأبراج المنتشرة في مختلف أنحاء مركز الوقف، وهي جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية للسكان. يحرص الأهالي على توفير المأكل والمشرب للحمام، فبعض الأبراج تهدف إلى بيع الحمام للتجار، بينما يدير آخرون الأمر كهواية تحمل في طياتها إرثاً شعبياً عريقاً يربطهم بثقافة المنطقة.
تُستخدم فضلات الحمام التي تجمع من داخل الأبراج في الزراعة كبديل عضوي للأسمدة، لما لها من تأثير إيجابي على جودة التربة والمحاصيل. على الرغم من ذكاء الحمام وسرعته في التحليق، فإنه يواجه تهديدات مستمرة من الصيادين والمزارعين الذين يمارسون صيدهم بطرق غير مشروعة.
ينقل أحد سكان المركز أن الحمام لا يقتصر دوره على التسلية أو التجارة فقط، بل يمتد إلى الاستخدامات الشعبية والطبية، إذ يستخدم البعض طيور الحمام في طقوس تقليدية يُعتقد أنها تزيل السحر أو تعالج الأمراض، خصوصاً لدى النساء اللاتي يقومّ بذبح فراخ صغيرة كجزء من هذه العادات المتوارثة، فيما يعتبر الحمام نفسه وسيلة للبركة والحماية.
على مدى سنوات، كانت أبراج الحمام مقصدًا للزوار والسياح الذين يأتون لاستكشاف هذه الظاهرة التراثية الفريدة وأجوائها الأصيلة. ولكونها رمزاً حضرياً يعكس هوية مركز الوقف، فقد أُثيرت المخاوف من تأثرها بعد بعض الحوادث التي شملت قتل جماعي للحمام، ويطالب السكان المحليون بإيلاء الأمر عناية خاصة للحفاظ على هذه الأبراج التي تظل شاهداً حياً على تاريخ وثقافة المنطقة.


تعليقات