جهود مصر لإحياء «دولة التلاوة»

جهود مصر لإحياء «دولة التلاوة»

يظل القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع والهداية الربانية للبشرية كلها، وهو النور الذي يضيء دروب الحياة وتستمد منه القيم والمعايير، لذلك يعد حفظه وتعلمه والعمل به من أجل القربات وأعظم الفضائل التي يتقرب بها العبد إلى خالقه، كما أنه يحفظ اللسان ويهذب السلوك ويعمق الصلة بالله تعالى.

خصّ الله تعالى أهل القرآن بمكانة رفيعة، واعتنت الأمة الإسلامية بكتاب الله عبر القرون عناية متصلة لم تنقطع، وتتصدر جمهورية مصر العربية طليعة الدول التي حملت لواء العناية بكتاب الله وأهله علماً وتلاوة وتعليماً، حتى أصبحت مرجعاً للقراء وطلاب العلم في المنطقة والعالم الإسلامي.

وقد تواترت النصوص الشرعية التي تؤكد عظيم فضل حفظ آيات الله وتلاوتها ترتيلاً وتجويداً، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه”، وقوله: “خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه”، ويقال لقارئ القرآن يوم القيامة: “اقرأ وارتقِ، ورتِّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها”، والمُتقن لحفظه وتلاوته يكون مع السفرة الكرام البررة، ومن يقرأه ويتعتع فيه فله أجران.

وحفظ القرآن ليس مجرد ترديد للنصوص، بل هو حفظ للقلب والذاكرة وربط دائم بمصدر العزة والسكينة، وهو ما ينير البصيرة ويهدي السلوك ويصون هوية الفرد والمجتمع، وقد رسخت مصر مكانتها التاريخية في خدمة كتاب الله وتلاوته حتى باتت بحق “دولة التلاوة” التي خرج منها عمالقة القراء، فأثروا العالم الإسلامي بأصواتهم وأدائهم المتقن، بينما تواصل مؤسسات الدولة في العصر الحديث تعزيز هذه الريادة بمنهج منظم يواكب روح العصر دون أن يمس الأصول.

وتحول هذا الاهتمام إلى دعم مباشر من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، إذ يولي عناية خاصة ببناء الإنسان المصري وصون هويته الدينية والثقافية الأصيلة، ويرى أن العناية بالقرآن جزء أصيل من بناء الوعي الرشيد وترسيخ الانتماء وتحصين المجتمع من الغلو والسطحية.

وتعد وزارة الأوقاف المصرية الذراع التنفيذي الأبرز لهذا التوجه، حيث تضطلع بحزمة واسعة من الجهود العملية في هذا المجال.
– تنظيم المسابقات المحلية والدولية لحفظة القرآن والقراء.
– افتتاح المئات من مكاتب تحفيظ القرآن الكريم والكتاتيب العصرية لتوسيع نطاق الوصول للأطفال والناشئة.
– إطلاق البرامج والمبادرات لنشر الوعي الديني السليم وترسيخ المنهج الوسطي المعتدل عبر المنابر والمنصات الحديثة.
– إطلاق مسابقة وبرنامج “دولة التلاوة” الذي بدأت أولى حلقاته مساء يوم الجمعة الماضي، بوصفه أضخم مسابقة قرآنية تليفزيونية في تاريخ مصر، بهدف اكتشاف جيل جديد من القراء الموهوبين على نهج المدرسة المصرية الأصيلة في التلاوة.

ويهدف البرنامج إلى إعادة إحياء المدرسة المصرية التي اشتهرت عالمياً بجمال الصوت، وإتقان المقامات، والدقة في أحكام التجويد والترتيل، مع تقديم منصة احترافية للتنافس والتدريب وصقل المواهب على أيدي خبراء وقراء مشهود لهم بالتميّز.

وتعد الوزارة هذا البرنامج أحد أهم مشروعاتها ضمن محور “بناء الإنسان” في استراتيجيتها الشاملة، إيماناً بأن العناية بكتاب الله هي أساس استقامة الفرد وازدهار المجتمع، وأن الاستثمار في تعليم القرآن ينعكس وعياً وأخلاقاً وقدرة على التعايش واحترام التنوع.

إن انطلاق “دولة التلاوة” ليس مجرد مسابقة تليفزيونية، بل رسالة واضحة من مصر إلى العالم بأنها ماضية في الحفاظ على أصالتها الدينية والقرآنية، ورعاية أبنائها ليكونوا امتداداً لعمالقة الماضي وحملة لمشعل النور في الحاضر والمستقبل، بما يعزز مكانة التلاوة المصرية ويضمن استمرار الأثر الحضاري للقرآن جيلاً بعد جيل.