مؤتمر الذكاء الاصطناعي يكشف آفاق جديدة لمستقبل المحاسبة والتدقيق
انطلقت اليوم فعاليات مؤتمر “الذكاء الاصطناعي ودوره في مهنة المحاسبة والتدقيق”، حيث جمع المؤتمر خبراء ومهنيين من داخل قطر وخارجها، لمناقشة التحولات الكبرى التي يشهدها القطاع في ظل التسارع المتواصل لتقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، إلى جانب استعراض الفرص الواعدة والتحديات المعقدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على ممارسات المحاسبة والتدقيق بمختلف جوانبها.
أقامت جمعية المحاسبين القانونيين القطرية هذا المؤتمر تحت رعاية وزارة التجارة والصناعة، إذ ركزت جلساته بشكل مكثف على استعراض أحدث أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في المحاسبة، مع إبراز دورها الحيوي في تحليل البيانات المالية بدقة متقدمة، والتحديات المرتبطة بتعميم تطبيق هذه الأدوات، فضلاً عن بحث طرق تعزيز الامتثال للمعايير المالية، دعم الشفافية، وتحسين إدارة المخاطر المالية باستخدام التقنيات الذكية المتطورة التي تساهم في رفع كفاءة العمل المحاسبي والتدقيقي.
الجوانب الأخلاقية في الذكاء الاصطناعي بالمحاسبة
وجه المؤتمر الضوء بشكل خاص إلى الأبعاد الأخلاقية المهمة في توظيف الذكاء الاصطناعي داخل مهنة المحاسبة، ولا سيما ما يتعلق بحماية خصوصية البيانات وتأمين المعلومات الحساسة، حيث يشكل ذلك حجر الزاوية في تعزيز الثقة في دقة وموثوقية نتائج العمليات المالية، ويضمن التزام المهن المحاسبية بالمبادئ والقيم الأخلاقية التي تحكم المهنة.
في الجلسة الافتتاحية، أكد الدكتور هاشم السيد، رئيس جمعية المحاسبين القانونيين القطرية، أن العالم يشهد موجة متسارعة من التطورات العالمية، خاصة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، حيث بات الذكاء الاصطناعي يلعب أدواراً عدة كانت تقليدياً من مهام البشر في شتى القطاعات. كان لمهنة المحاسبة نصيب واسع من هذه التغييرات، إذ تعد من الوظائف التي تأثرت بشكل جوهري بهذه التكنولوجيا الحديثة، وواجهت تحديات كبيرة فرضت عليها تسريع وتيرة التكيف والتطور المستمر لتظل مواكبة للتغيرات المتسارعة.

وأشار الدكتور السيد إلى أن الذكاء الاصطناعي قد تحول إلى شريك استراتيجي لا غنى عنه للمحاسبين، حيث يسهم في تحسين جودة الأداء وتطوير العمل بطرق مبتكرة ومتقدمة، كما يتيح للمحاسبين المزيد من الوقت لتطوير مهاراتهم وتعلم تقنيات جديدة في ظل الثورة الرقمية الشاملة التي تشهدها المؤسسات. وإلى جانب ذلك، دعا الدكتور السيد إلى تحديث البرامج الأكاديمية والتدريبية الخاصة بمهنة المحاسبة لتعكس هذه التطورات التقنية الجديدة، وتمكين العاملين في المهنة من اكتساب مهارات تحليل البيانات والتعامل مع الأدوات الذكية بأسلوب احترافي يضمن الاستفادة القصوى من الإمكانات التكنولوجية.
تحديات تطبيق الذكاء الاصطناعي في المحاسبة والتدقيق
في جلسة لاحقة من المؤتمر، تناول الدكتور علي الكبيسي، عضو مجلس إدارة جمعية المحاسبين القانونيين القطرية، التحديات الكبيرة التي تعترض تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالي المحاسبة والتدقيق، مؤكداً أن هذه التحديات تنقسم بين الجوانب المحلية والدولية، ولكل منها ظروف ومتطلبات خاصة تؤثر على وتيرة تطبيق هذه التكنولوجيا.

وأوضح الدكتور الكبيسي أن أبرز التحديات المحلية تتمثل في التفاوت الكبير في تنسيق البيانات بين الأنظمة المختلفة المستخدمة في المؤسسات، إضافة إلى وجود وثائق مالية ثنائية اللغة تؤثر سلباً على دقة النماذج الذكية، علاوة على اعتماد بعض المؤسسات على أنظمة معلوماتية قديمة لا تتناسب وتطورات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن محدودية البيانات التاريخية المتاحة. أما على الصعيد العالمي، فأشار إلى أن التحديات تكمن في ضعف جودة البيانات نتيجة عدم اتساقها أو عدم اكتمالها، بالإضافة إلى صعوبة تفسير مخرجات بعض نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعمل كنماذج “صندوق أسود”، ما يزيد من الغموض حول كيفية الوصول إلى النتائج. كذلك تواجه المؤسسات تكاليف عالية لتنفيذ تلك الأنظمة الجديدة، إلى جانب المخاطر المتزايدة المرتبطة بالأمن السيبراني، التي قد تفتح ثغرات جديدة في الأنظمة المالية، مما يستوجب حرصاً متزايداً على تدعيم الحماية الرقمية.
في جلسة أخرى، تناول السيد عبدالله المنصوري، عضو مجلس إدارة جمعية المحاسبين القانونيين القطرية، موضوع الاستدامة في المحاسبة والتدقيق وأهمية الربط الفعّال بين ممارسات المحاسبة الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث استعرض مفهومات الاستدامة في السياق المالي وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز هذه الاستدامة. وناقش كذلك الاستدامة في المحاسبة الحكومية والقطاع العام، مسلطاً الضوء على التحديات الراهنة التي تواجه المحاسبة في عصر الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن المخاطر المهنية المصاحبة للعمليات التدقيقية الرقمية، والتي تستلزم تطوير مهارات وأدوات جديدة لمواجهتها بفاعلية.

ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها جمعية المحاسبين القانونيين القطرية لتعزيز التواصل وتبادل الخبرات بين المختصين والخبراء في مجال المحاسبة والتدقيق، ومناقشة أحدث التطورات والاتجاهات التي تفرضها تطورات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الحديثة، مؤكداً أهمية هذه المنصة في دعم التحول الجذري الذي يشهده القطاع المالي والمحاسبي بفعل التحديثات الرقمية المتسارعة، والعمل على تمكين العاملين في هذه المهنة من تجاوز تحديات المستقبل بثقة وكفاءة عالية.

تعليقات