دراسة جديدة لمعلومات الوزراء ترصد جهود الدولة لدعم التشغيل

دراسة جديدة لمعلومات الوزراء ترصد جهود الدولة لدعم التشغيل

أعدّت جهة بحثية حكومية دراسة موسعة عن مرونة التشغيل في الاقتصاد المصري خلال الفترة ٢٠٠٤–٢٠٢٤، ركزت على كيفية تحوّل النمو إلى فرص عمل عبر القطاعات الرئيسية. خلصت النتائج إلى أن الصناعة حققت أعلى مرونة تشغيلية مقارنة بالخدمات ثم الزراعة، ما يعكس قدرة المصانع على استيعاب عمالة إضافية مع كل نقطة نمو، بينما تبقى الزراعة الأقل قدرة على خلق وظائف جديدة بالوتيرة نفسها.

تؤكد الدراسة أن الدولة اتجهت منذ أعوام إلى خفض البطالة عبر حزمة سياسات وبرامج تحفيزية، مع توسيع دور القطاع الخاص في الإنتاج والاستثمار والتشغيل والصادرات. جاءت هذه السياسات متزامنة مع وثيقة ملكية الدولة وما رافقها من تخارج تدريجي من بعض الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى إصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وتيسير الإجراءات للمستثمرين.

أعادت الدراسة طرح جدل قديم حول “النمو المولِّد للتشغيل”، إذ شهدت فترات من النمو السريع دون انعكاس موازٍ في الوظائف، ما فرض تدخلات مباشرة لدعم سوق العمل خلال الأزمات العالمية والمحلية. قُسّم العمل البحثي إلى خمسة محاور تشمل الأدبيات الاقتصادية، وتحليلًا وصفيًا لبيانات محلية ودولية، ورصدًا لجهود الدولة، ثم تحليلًا كميًا للعلاقة بين النمو والتشغيل، وانعكاساتٍ على مستوى السياسات العامة.

على صعيد المشروعات القومية، برزت مبادرات توسّع زراعي واستصلاح أراضٍ وفرص عمل واسعة. في مشروع الدلتا الجديدة وصلت المساحة المزروعة إلى ٦٦٩ ألف فدان مقابل مستهدف إجمالي يبلغ ٢٨ مليون فدان، مع تقدير بنحو ٥ ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. وفي توشكى تبلغ المساحة الإجمالية ١,١ مليون فدان، بينما المزروع ١٨٠ ألف فدان، كما يشمل تنمية شبه جزيرة سيناء بمساحة إجمالية مماثلة ومزروع يبلغ ٢٨٥ ألف فدان.

شهد قطاع الاستزراع السمكي قفزة كبيرة عبر مشروع غليون المتكامل وغيره، حيث نُفّذ ٥٩٠٧ حوض ضمن مشروع الفيروز، إلى جانب أكثر من ٤٠٠٠ حوض لدى جهة القناة. وفي الثروة الحيوانية توسّع المشروع القومي للبتلو ليستفيد أكثر من ٤١ ألف مستفيد بتمويل يتجاوز ٧ مليارات جنيه لأكثر من ٤٦٤ ألف رأس، بينما وصل الاستثمار في صناعة الدواجن إلى قرابة ١٠٠ مليار جنيه، ما يوفّر نحو ٣ ملايين فرصة عمل.

قطاع التشييد والبناء تحرك بدوره عبر تنفيذ أكثر من مليون وحدة سكنية ضمن الإسكان الاجتماعي والمتوسط والمتميز، فوفرت ولا تزال توفر آلاف الوظائف عبر سلاسل الإمداد. وفي الروبيكي، بلغ حجم الاستثمارات بمدينة الجلود نحو ٧,٢ مليارات جنيه، مع طاقة تشغيلية تقدر بحوالي ٣٥ ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، واكتمال المرحلة الأولى بإجمالي ٢١٣ وحدة إنتاجية.

في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أُنشئت بنية تحتية واستثمارات تقدّر بنحو ١٨ مليار دولار، ما دعم نحو ١٠٠ ألف فرصة عمل مباشرة. وعلى مستوى التنمية الريفية، ضخّ المشروع القومي لتطوير الريف “حياة كريمة” أكثر من ٤٥٠ ألف فرصة عمل دائمة باستثمارات تقارب ٤,٤ مليارات جنيه، بينما وفّر مشروع “مستقبل مصر” للزراعة المستدامة حوالي ١٠ آلاف وظيفة مباشرة وأكثر من ٣٦٠ ألفًا غير مباشرة مع توقع زيادات موسمية لاحقة.

تضم خارطة التصنيع تنفيذ ١٧ مجمعًا صناعيًا يشمل ٥٠٤٦ وحدة في ١٥ محافظة بتكلفة ١٠ مليارات جنيه، ما يوفّر نحو ٤٨ ألف فرصة عمل مباشرة. وعلى المسار المحلي التنموي، موّل برنامج تنموي مجتمعي قروضًا ميسّرة بقيمة ٢٦ مليار جنيه لتمويل ٢٠٢ ألف مشروع، ما أسهم في إيجاد نحو ١,٥ مليون فرصة عمل عبر المحافظات.

برز كذلك جهاز معنيّ بتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، إذ وفّر ما يزيد على ٦,٦ ملايين فرصة عمل عبر سنوات عمله، ويخدم حاليًا ٢,٣ مليون عميل مع خطة للوصول إلى ٤ ملايين خلال ثلاث سنوات. خلال عام ٢٠٢٤ موّل الجهاز مشروعات متناهية الصغر بقيمة ٩٠٠ مليون جنيه، كما موّل ٨٥ ألف مشروع في العام نفسه بنحو ٦ مليارات جنيه.

على صعيد السياسات المحفّزة للاستثمار، فُعّلت الرخصة الذهبية وبرنامج الطروحات، وصُرفت مبالغ تتجاوز ٥٠ مليار جنيه لمساندة الشركات المصدّرة خلال المدة من أكتوبر ٢٠١٩ حتى أغسطس ٢٠٢٣. وافق مجلس معني بالاستثمار في مايو ٢٠٢٣ على ٢٢ قرارًا لإزالة قيود تأسيس الشركات، نُفّذ منها ١٣ قرارًا حتى أغسطس ٢٠٢٣، كما صدر ٢٤ رخصة ذهبية حتى أكتوبر ٢٠٢٣. أُطلقت أول شركة مصرية للاستثمار في شهادات الكربون، وارتفع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى نحو ٤٦,١ مليار دولار في العام المالي ٢٠٢٣/٢٠٢٤ مقابل ١٠ مليارات في ٢٠٢٢/٢٠٢٣، بينما بلغت الاستثمارات الخاصة ١٣٣,١ مليار جنيه في الربع الأول ٢٠٢٤/٢٠٢٥ بما يعادل ٦٣,٥٪ من إجمالي الاستثمارات وبنمو ٣٠٪ على أساس سنوي.

تيسير الإجراءات شمل تحديد مدى زمني لا يتجاوز ١٠ أيام عمل لمعظم الموافقات عند التأسيس، مع تفعيل مزايا قانون الاستثمار رقم ٧٢ لسنة ٢٠١٧ ومنها رد ٥٠٪ من قيمة أراضي المشروعات الصناعية عند بدء الإنتاج خلال عامين من تسلّم الأرض. تتضمن المزايا كذلك حوافز ضريبية بين ٣٠ و٥٠٪ من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة، والسماح بقيد المستثمر الأجنبي في سجل المستوردين حتى دون حمل الجنسية المصرية لمدة ١٠ سنوات، ومنح إقامة “غير سياحية” لمدة عام قابلة للتجديد حتى عام إضافي خلال فترة التأسيس، وتفعيل الشباك الواحد بما خفّض زمن بعض المعاملات إلى نحو ٥ دقائق بدلًا من ٣٠ دقيقة، إضافة إلى ١٤ مركزًا لخدمة المستثمرين وخريطة استثمارية تحوي ١١٦٨ فرصة، مع جذب صندوق سيادي محلي لاستثمارات قيمتها ٣٧ مليار جنيه عبر ١٤ مشروعًا حتى نهاية ٢٠٢٢.

في جانب التجارة والتوثيق، صدرت ٤٨٦٩٨١ شهادة منشأ خلال ٢٠٢٤، إضافة إلى ١٥٢ شهادة بيع حر لأسواق عربية وإفريقية، كما أصدرت وحدة مختصة ١٤٢ شهادة مطابقة للمنتجات. جرى استخراج ٣١٨٢٥ سجلًا تجاريًا خلال العام نفسه، وتخفيض المتطلبات الورقية بنسب كبيرة للخدمات المرتبطة ببدء النشاط واعتماد الجمعيات ومجالس الإدارة خلال سبتمبر وأكتوبر ٢٠٢٣.

انعكست التيسيرات على حركة تأسيس الشركات، إذ ارتفع عدد الشركات المؤسسة في ٢٠٢٣/٢٠٢٤ إلى ٣٧٩٨٨ شركة مقابل ٣٢٤٥٥ شركة في ٢٠٢٢/٢٠٢٣ بزيادة ١٧٪، كما زادت رؤوس الأموال المُصدّرة للشركات الجديدة إلى ١٩٨,١ مليار جنيه مقابل ١١٤,٥ مليار جنيه بزيادة ٧٣٪. بالنسبة لتوزيع مصادر رؤوس الأموال في الشركات المؤسسة والخاضعة لجميع القوانين خلال ٢٠٢٣/٢٠٢٤، بلغت مساهمة المصريين ٩٠,١٪، والعرب ٤,٨٪، والأجانب ٥,١٪.

ضمن المبادرات الداعمة للتشغيل، نفّذ القطاع المصرفي مبادرة لمعالجة تعثّر الشركات وتنشيط قطاعات محددة، ما ساعد المصانع على استعادة الطاقة التشغيلية واستيعاب عمالة مؤقتة ودائمة. شمل الدعم قطاع السياحة بتمويل يصل إلى ٧٥٪ لعمليات الإحلال والتجديد للفنادق والمنشآت وأساطيل النقل السياحي بإجمالي يتجاوز ١٠ مليارات جنيه وبعائد متناقص لا يتجاوز ١٠٪، ما أسهم في الحفاظ على الوظائف ورفع الجودة.

في تنمية المهارات، يتصدّر برنامج “مبارك–كول” كنظام مزدوج للتعليم والتدرّب منذ ١٩٩١، إذ ربط الدراسة بالعمل داخل المصانع ووفّر مسارًا واضحًا لطلاب التعليم الفني. تلا ذلك برنامج دعم وتطوير التعليم الفني والتدريب المهني بالتعاون الدولي، لتحسين الهيكل والأداء وزيادة قابلية التشغيل، وقد تجاوز عدد المسجلين ٢ مليون طالب موزعين على أكثر من ٣٥٠٠ مدرسة ومركز تدريب في مختلف المحافظات.

أُطلقت مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان المصري” في ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤ لمدة ١٠٠ يوم، هدفها الاستثمار في رأس المال البشري وترسيخ الهوية الوطنية عبر تنسيق جهات الدولة. جرى في إطارها تمويل ٩٣٥٠٧ مشروعًا متناهي الصغر وصغير ومتوسط للشباب والأسر الأولى بالرعاية، وتوفير ٥١١٢٧ فرصة عمل، وإصدار ٦٧٨ رخصة مؤقتة و٣٨٥ رخصة لتوفيق أوضاع المشروعات غير الرسمية، وتنظيم ٦ ملتقيات توظيف وفّرت ٢٢٨٩ فرصة في القطاع الخاص إلى جانب ٣٨٢ وظيفة لذوي الهمم، كما انتشرت ٣٤ وحدة تدريب مهني متنقلة لتأهيل الشباب مجانًا، ونُظم ٩ ملتقيات توظيف بالتعاون مع شركاء التنمية.

قدّمت الدراسة حزمة توصيات في ثلاثة مسارات رئيسية. أولًا التعليم والتدريب المهني: (١) رفع جاذبية التعليم الفني بحوافز ملموسة لسد احتياجات الصناعة وزيادة أعداد الخريجين المهرة، (٢) تبنّي تمويل مستدام للتعليم الفني مع الاستفادة من تجارب دولية حيث تتولى منظمات أصحاب العمل نصيبًا رئيسيًا من التمويل أو يحصل أصحاب الأعمال على دعم مباشر، (٣) تدريب وتمهير قوة العمل بمشاركة مجتمع الأعمال في تحديد المهارات المطلوبة ووضع معايير جودة لمراكز التدريب ومعاهد التعليم الفني، (٤) مواءمة أعداد المقبولين بالجامعات مع احتياجات سوق العمل لتقليص الفجوة، (٥) برامج لتعزيز مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم قبل الجامعي والجامعي، (٦) إعادة هيكلة المناهج والبنية التعليمية لدمج العلوم والتقنيات الرقمية وفق معايير الصناعة الحالية، (٧) تحديث المقررات بصورة مستمرة لضمان ملاءمتها ودمج العلوم مع المواد الأخرى.

ثانيًا دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: (١) تشجيع تجمعات ريفية وفئات كالمرأة والشباب والمتقاعدين على بناء رأس المال المحلي عبر صناديق أو شركات تنمية مجتمعية، (٢) تحفيز البنوك على تقديم قروض أعلى مخاطرة لهذه المشروعات، (٣) إدماج المشروعات المصرية المتطورة في شبكات الموردين العالمية للشركات متعددة الجنسيات، (٤) تبنّي مقترحات تمويل وإقامة المشروعات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، (٥) توظيف أدوات الاتصال والمعلومات في التسويق الداخلي والخارجي وعرض منتجات المشروعات المملوكة للمرأة عبر القنوات الرقمية، (٦) تشجيع العمل عن بُعد لتمكين النساء خصوصًا في المناطق النائية باستخدام التكنولوجيا، (٧) إنشاء مركز معلومات يتبع الجهة الاجتماعية المختصة لتجميع قاعدة بيانات متكاملة عن فرص العمل وإدارة المشروعات للمرأة، (٨) دعم الحرف والأسر المنتجة بإعفاءات ضريبية وقروض أول مرة بفائدة صفر ثم بفائدة ميسرة لاحقًا.

ثالثًا التشريعات والبيئة الاقتصادية وسوق العمل: (١) إعداد برنامج تنفيذي متكامل لحل البطالة على الأجلين القصير والمتوسط يراعي خصائص سوق العمل، (٢) توسيع الاستثمار المحلي خصوصًا في المشروعات كثيفة العمالة مع إصلاحات تمنح القطاع الخاص مرونة أكبر في اللوائح لضمان الاستقرار الوظيفي، (٣) سن حوافز استثمارية تشمل إعفاءات ضريبية تصاعدية وقروضًا ميسرة ودعمًا فنيًا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، (٤) تفعيل برامج سوق العمل النشطة لرفع القدرة على الكسب وتشمل خدمات التشغيل والتدريب والأعمال العامة ودعم الأجور وإعانات التشغيل والعمل الحر وتحسين مواءمة العرض والطلب، (٥) تطبيق آليات سوق العمل غير النشطة مثل إعانات البطالة وفق ضوابط، (٦) تعزيز التكامل المؤسسي لضمان اتساق السياسات ونتائج أفضل في سوق العمل، (٧) إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية تدريجيًا عبر توسيع الرعاية الصحية وضبط نظام المعاشات ليعكس المساهمات الوظيفية والاشتراكات.

أحمد شوقي كاتب ومحرر في موقع الرسالة خريج كلية إعلام أحب الصحافة والتحرير ولدي خبره كبيره في السيو