الجزائر تُسارع لبناء درع قضائي ضدّ العملات المشفّرة بين الحظر والتنظيم

الجزائر تُسارع لبناء درع قضائي ضدّ العملات المشفّرة بين الحظر والتنظيم

بين الحظر والتنظيم، بناء الجزائر درعها القضائي لمواجهة العملات المشفّرة

تشهد الجزائر اليوم منعطفًا حاسمًا في تعاملها مع عالم المال الرقمي، إذ تتبلور رؤية جديدة تجمع بين إجراءات الحظر التقليدية ومساعي التنظيم القانوني لتأسيس حماية قضائية فاعلة.

المشهد الراهن يعكس توازنًا دقيقًا بين خمسات المخاطر والفرص، إذ إن العملات المشفّرة أجبرت الجهات القضائية والإدارية على إعادة قراءة أدواتها القانونية والإجرائية، بينما بات واضحًا أن اعتماد سياسة منع مطلق دون إطار قضائي واضح قد يترك فراغًا يُستغل بطرق تؤذي المستهلكين والاقتصاد العام، لذلك اختارت السلطة القضائية البدء في بناء آليات متكاملة، تتضمن تحسين القدرة الرقابية وتعزيز التعاون بين أجهزة التحقيق والهيئات التنظيمية.

يعتمد هذا العمل على جملة من المحاور الأساسية، أولها تشديد قواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتكييفها لتشمل المعاملات الرقمية، ثانيها تطوير الأدلة الرقمية والقدرات الفنية لدى النيابة والقضاء لتتبع مسارات العملات المشفّرة وتحليلها، وثالثها وضع معايير واضحة لحماية حقوق المستخدمين والمستثمرين، مع ضمان آليات إنفاذ عادلة وشفافة.

تكامل الجهود بين القضاء والجهات التقنية يشكل عاملًا حاسمًا في نجاح هذا المسعى، إذ لا يكفي سن نصوص قانونية دون توفير مختبرات جنائية رقمية وخبراء قادرين على تقديم قرائن رقمية مقبولة أمام المحاكم، كما أن تدريب القضاة والمحققين وتبادل الخبرات مع شركاء دوليين يسهمان في ترسيخ قدرات مؤسساتية تقاوم الاحتيال المالي وتحد من المخاطر النظامية.

الدرع القضائي الذي تعمل الجزائر على بنائه يرتكز أيضًا على توازن بين ضبط المخاطر وتحفيز الابتكار المشروع، فالتشدد المفرط قد يدفع النشاط إلى الظل، بينما يضمن إطار قانوني واضح وإجراءات محكمة انتقال النشاطات المشروعة إلى سكة رسمية تخضع للرقابة والضرائب، وبالتالي حماية الاقتصاد الوطني، ومزيدًا من الشفافية في التعاملات المالية.

إلى جانب البعد القانوني، لا تغفل السلطات بعد الوعي المجتمعي، لأن حماية المستهلك تبدأ من تمكين المواطنين بالمعلومات اللازمة حول المخاطر المرتبطة بالعملات المشفّرة وكيفية التفريق بين عروض الاستثمار المشروعة والاحتيالات، لذلك ترافق الإجراءات القضائية برامج توعية وتعاون مع القطاع المصرفي والمؤسسات المالية لتقليل التعرض للخسائر وحالات الاحتيال.

لا تزال الطريق طويلة أمام تحقيق شبكة قضائية متينة، لكن العمل الجاري يعكس مستوى من الحرفية والمؤسساتية في التعامل مع تحديات العصر الرقمي، من خلال مقاربة شمولية تجمع بين القانون، والتقنية، والتعاون الدولي، والإصلاح المؤسسي، لتأسيس درع قضائي يحمي المواطنين ويمنح الدولة أدوات فعّالة للتعامل مع تطورات الساحة المالية الرقمية.