يعيش فريق سندرلاند واحدة من أكثر فترات تألقه في العصر الحديث، إذ يحتل الفريق المركز الرابع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد بداية مذهلة لموسمه الأول عقب العودة من دوري الدرجة الأولى، وبالرغم من تعادله في الجولة الماضية على ملعبه أمام إيفرتون، ولكن حافظ الصاعد حديثًا على تواجده ضمن الأربعة الكبار، بالتساوي مع ليفربول صاحب المركز الثالث، وبفارق نقطة وحيدة عن مانشستر سيتي الوصيف.
سندرلاند يعيش قصة ملحمية في الدوري الإنجليزي الممتاز
بعد ثمان سنوات من الغياب، عاد سندرلاند إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بطريقة درامية، بفضل هدف في الدقيقة الـ95 أمام شيفيلد يونايتد في نهائي ملحق الصعود، رغم أنه أنهى الموسم الماضي متأخرًا بـ24 نقطة عن ليدز يونايتد وبيرنلي الصاعدان رفقته إلى البريميرليج.
لكن “القطط السوداء” تجاوزوا زميليهم الصاعدين هذا الموسم، ويحتلون الآن مركزًا متقدمًا قبل مواجهة صعبة للغاية أمام آرسنال المتصدر.
لم يعد صعود سندرلاند إلى البريميرليج هو القصة المثيرة الوحيدة، بل الطريقة التي بدأ بها الموسم جعلت الفريق حديث الشارع الرياضي الإنجليزي.
فالفريق، الذي يشرف عليه الفرنسي ريجيس لو بريس، جمع 18 نقطة من أول 10 مباريات، وهو أفضل حصيلة يحققها نادٍ صاعد منذ 17 عامًا.

آخر من فعل ذلك كان هال سيتي في موسم 2008-2009، حين جمع 20 نقطة في أول 10 جولات قبل أن ينهار أداؤه بشكل حاد، ليكتفي بـ15 نقطة فقط في 28 مباراة تالية وينهي الموسم في المركز السابع عشر، على بُعد نقطة واحدة من الهبوط.
تلك التجربة تبقى تذكيرًا صارخًا بطبيعة الدوري الإنجليزي القاسية التي لا ترحم، وتجعل من مواجهة آرسنال اختبارًا حقيقيًا لطموح سندرلاند ومدى قدرته على الاستمرار في المنافسة أمام الكبار، وهل سكيون قادرًا على تكرار معجزة ليستر سيتي التي مر عليها عشرة سنوات وخطف اللقب من الكبار، أم سيكون للجانرز رأي آخر؟
المبهر في قصة سندرلاند، هو كونه فريق صاعد على النقيض مما حدث مع ليستر سيتي، والتي تمثلت معجزته بعدما نجا من الهبوط بصعوبة في الموسم السابق لتتويجه باللقب.
ولكن يأخذنا سندرلاند إلى تجربة مختلفة للغاية هذا الموسم، بدون لاعبين لديهم خبرات طويلة في البريميرليج، أو حتى مدرب كبير على غرار كلاوديو رانييري آنذاك.
فبعد مرور 10 جولات كاملة، يمتلك سندرلاند 11 نقطة من أصل 15 على ملعبه هذا الموسم، بعدما انتصر في 3 مباريات وتعادل في مباراتين، ولم يخسر أي لقاء.
Sunderland remain unbeaten at home this season 👊 pic.twitter.com/qqSnBeJs7M
— Premier League (@premierleague) November 3, 2025
وهو ما يجعله في المركز السادس إذا نظرنا لجدول ترتيب الدوري الإنجليزي بحسبة المباريات البيتية، ويبتعد بفارق نقطتين فقط عن المتصدر آرسنال الذي جمع 13 نقطة من أصل 15 ممكنة، بالفوز في 4 مباريات والتعادل في لقاء وحيد.
وللمصادفة، عند النظر لجدول الترتيب خارج الأرض، فسنجده في المركز السادس أيضًا، بعدما تعادل مباراة وخسر مباراتين، وانتصر في مباراتين، بينها فوز كبير على تشيلسي بطل العالم؛ ويتفوق في تلك النتائج على فرق كبرى على رأسهم ليفربول حامل اللقب، وأستون فيلا ونيوكاسل ومانشستر يونايتد.
Sunderland beat Chelsea at Stamford Bridge 😱 pic.twitter.com/IpR12umghw
— Premier League (@premierleague) October 25, 2025
لوصف مدى الإنجاز الذي حققه الفريق حتى الآن، فقبل مباراته الأخيرة التي تعادل فيها أمام إيفرتون، كان سندرلاند قد جمع 17 نقطة من أول 9 مباريات، وعادل بذلك أفضل سجل له في حقبة البريميرليج موسم 1999-2000، بل ولم يتفوق على هذا الرصيد سوى خمسة فرق صاعدة فقط، وجميعهم تمكنوا من البقاء، بما في ذلك القطط السوداء نفسهم في عام 2000.
لو بريس.. القائد الهادئ وراء الثورة التكتيكية
عندما أعلن النادي في يونيو 2024 عن تعيين الفرنسي ريجيس لو بريس مدربًا جديدًا، لم يكن كثيرون يعرفون عنه الكثير، المدرب الذي يحمل دكتوراه في فسيولوجيا الرياضة والميكانيكا الحيوية، قضى مسيرة متواضعة كلاعب، وهبط مع فريق لوريان من الدوري الفرنسي في موسمه الثاني كمدير فني.
لكن تعيينه في سندرلاند أثبت أنه قرار ملهم، فبعد أن قاد الفريق إلى الصعود في موسمه الأول، واصل مسيرته بنجاح مبهر في البريميرليج، يتميز لو بريس بشخصيته الهادئة والمتزنة، سواء في تصريحاته أو على الخطوط الجانبية أثناء المباريات.
يعتمد المدرب الفرنسي على التنظيم الدفاعي المحكم ويمنح خصومه الاستحواذ دون قلق، إذ اكتفى فريقه بـ37% من الاستحواذ عندما فاز على وست هام 3-0 في الجولة الأولى، وبـ29% فقط في تعادله مع أستون فيلا بعشرة لاعبين، و31% فقط عند انتصارهم على تشيلسي 2-1.
دفاع حديدي صلب وتعاقدات ناجحة
أنفق النادي أكثر من 160 مليون جنيه إسترليني في سوق الانتقالات الصيفية، جالبًا 15 لاعبًا جديدًا في صفقة تُعد رقمًا قياسيًا لفريق صاعد، ورغم أن هذا العدد الكبير من الصفقات عادة ما يسبب فوضى تكتيكية، فإن سندرلاند كسر القاعدة.
أبرز المنضمين كان القائد الجديد غرانيت تشاكا، نجم أرسنال السابق، الذي أصبح مثالًا في الانضباط والروح القيادية داخل غرفة الملابس.
ويقول المدافع دان بالارد: “لم أظن أن لاعبًا واحدًا يمكن أن يغير فريقًا بهذا الشكل، إنه قائد بالفطرة ويرفع من مستوى الجميع؛ حتى في التدريبات، تشعر بأن عليك أن تثبت نفسك أمامه”.
وبفضل تألق روفس وخط الدفاع، لم يستقبل الفريق سوى 8 أهداف فقط، كثاني أقوى خط دفاع بعد أرسنال الذي استقبل 3 أهداف فقط، ويتساوى مع مانشستر سيتي وتوتنهام؛ كما حقق الفريق أربع مرات شباك نظيفة.
وأشاد لو بريس بصلابة فريقه قائلًا: “هذا هو الأساس الذي نبني عليه موسمنا، وهو ثمرة العمل اليومي والانضباط الجماعي”.
قوة ملعب الضوء
في آخر مواسمه بالبريميرليج عام 2016/17، فاز سندرلاند بثلاث مباريات فقط على ملعبه طوال الموسم؛ أما هذا العام، فقد حقق الرقم ذاته خلال 5 مباريات فقط، ليعيش أفضل بداية له على أرضه منذ موسم 1968/69.
يحضر أكثر من 46 ألف متفرج في كل مباراة، ما يصنع أجواءً استثنائية، وقال مدرب وست هام السابق جراهام بوتر بعد الخسارة في الجولة الأولى: “الأجواء في ملعب الضوء من الأفضل التي شاهدتها في الدوري الإنجليزي”.
هل ينجح سندرلاند في تكرار معجزة ليستر سيتي؟
تعود الذاكرة إلى عشرة أعوام سابقة، عندما بدأ ليستر سيتي موسم 2015-2016 بقوة تحت قيادة كلاوديو رانييري، حيث جمع 19 نقطة من أول 10 مباريات، احتل بهم المركز الخامس، ولكن بفارق 3 نقاط فقط عن مانشستر سيتي المتصدر ووصيفه بفارق الأهداف آرسنال.
المشترك بين الفريقين، كونهما حققا الفوز في 5 مباريات من أصل 10، ولكن خسر ليستر سيتي لقاء وحيد فقط، وتعادل في أربعة، بخلاف سندرلاند الذي سقط في مناسبتين خارج الديار أمام كلًا من مانشستر يونايتد وبيرنلي.
الاختلاف الأكبر كان في الأرقام الدفاعية والهجومية، فكان ليستر سيتي صاحب ثالث أقوى خط هجوم برصيد 20 هدفًا، خلف مانشستر سيتي 24، ووست هام يونايتد 22؛ بينما استقبلت شباكه 17 هدفًا كخامس أضعف دفاع آنذاك بعد مرور 10 جولات.
Since losing to Chelsea in April, @LCFC have been defeated just once in 19 #BPL matches: https://t.co/lur5CTE01u pic.twitter.com/9FIIvGynw4
— Premier League (@premierleague) December 14, 2015
أما سندرلاند فيعتمد بشكل رئيسي على الانضباط الدفاعي، وهو ما انعكس على الأرقام كثاني أقل فريق استقبل أهداف، رغم كونه لم يسجل سوى 12 هدفًا فقط؛ وباستثناء الفرق التي تصارع على الهبوط، لم يسجل أقل منه سوى أستون فيلا ونيوكاسل وإيفرتون فقط.
بالإضافة إلى ذلك، يدرك أنصار سندرلاند أن المرحلة الأصعب قادمة، إذ سيواجه الفريق خلال الأسابيع المقبلة كلًا من أرسنال، بورنموث، ليفربول، مانشستر سيتي، قبل خوض ديربي الشمال الشرقي المنتظر أمام نيوكاسل، وهو الديربي الأول في الدوري منذ عشر سنوات.
كما يواجه الفريق احتمال فقدان سبعة لاعبين خلال كأس الأمم الإفريقية المقررة في المغرب بين 21 ديسمبر و18 يناير 2026، ما قد يؤثر على ست مباريات في الدوري.
لكن، وحتى يحين ذلك، يبدو أن جماهير سندرلاند تستمتع أخيرًا بمكافأة صبرها بعد سنوات طويلة من المعاناة، إذ تعيش حلم العودة إلى القمة بأداء يُبهر كل من يتابع البريميرليج هذا الموسم.
وبالرغم من أن الفريق يبدو بعيدًا عن تكرار معجزة ليستر سيتي، إلا أن الجماهير تعيش واحدة من أجمل أحلام فريق صاعد في تاريخ الدوري الإنجليزي، ولم لا يكتمل الحلم بالتأهل إلى بطولة أوروبية لأول مرة منذ عقود.
