محمد أبو تريكة أسطورة كروية خالدة ومواقف لا تنسى.. كيف أسس نفسه أميرًا للقلوب؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في عالم كرة القدم، هناك من يصنعون الأهداف، وهناك من يصنعون التاريخ؛ ومحمد أبو تريكة كان من القلة التي جمعت بين الحالتين؛ لاعبٌ ألهم الأجيال داخل المستطيل الأخضر، ورمزٌ تجاوز حدود اللعبة ليصبح قدوة ومحبوبًا في قلوب الملايين.

عندما نتحدث عن تريكة، نتحدث عن أكثر من مجرد لاعب كرة قدم؛ نتحدث عن أسطورة سطعت في سماء كرة القدم المصرية والإفريقية، وجعلت من نفسها أيقونة ليس فقط في الأندية التي ارتدى قميصها، بل في قلوب جماهيره التي أحبته بكل جوارحها.

كان أبو تريكة اللاعب الذي يعبر عن حلم كل طفل يملك كرة في يده، ويجسد الأمل لكل محب للعبة حول العالم، ظل أبو تريكة يقدّم في كل مباراة ألوانًا من الإبداع والمتعة، وتحت كل قميص، سواء مع النادي الأهلي أو مع المنتخب الوطني، كان يحمل معه إرثًا من الحب والوفاء لم يعرفهما لاعب آخر.

كان لاعبًا يعرف كيف يعشق الجماهير، ويبادلها الوفاء بالوفاء، فمنذ أن ارتدى قميص الأهلي وحتى رحيله عن الملاعب، كانت جماهيره تردد اسمه في كل زاوية، لأنهم يعلمون أن ما يقدمه هو أكثر من مجرد فوز أو هزيمة، هو رحلة من العطاء والمبادئ.

محمد أبو تريكة لم يكن فقط لاعبًا، بل كان حكاية، ستعيش في قلوب محبيها إلى الأبد، مثلما يعيش في ذاكرة كرة القدم.

البدايات من قرية “ناهيا” إلى سماء المجد

وُلد محمد محمد محمد أبو تريكة في 7 نوفمبر 1978 بقرية ناهيا في محافظة الجيزة، نشأ وسط أسرة بسيطة، وعمل في صغره بمصنع للطوب مع عمه، وهو ما أكسبه قوة بدنية وصلابة نفسية مبكرة. رغم المشقة، واصل تعليمه حتى تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة.

بدأ حبه لكرة القدم مبكرًا، يلعب في شوارع قريته ويشارك في الدورات الرمضانية المحلية، إلى أن قاده صديقه “مجدي عابد” وهو في الثانية عشرة لاختبارات نادي الترسانة، حيث اجتازها بنجاح، ليبدأ رحلته الاحترافية الحقيقية.

من الترسانة إلى القلعة الحمراء

صعد أبو تريكة تدريجيًا بين فئات الترسانة حتى أصبح قائدًا للفريق الأول، وقاده إلى الصعود للدوري الممتاز، وفي موسم 2000–2001 خطف الأضواء بعدما تصدر قائمة هدافي الدرجة الثانية برصيد 23 هدفًا.

ومع بزوغ موهبته الفذة، بدأ صراع الأندية الكبرى لضمه، ليختار في النهاية الأهلي عام 2004 مقابل 450 ألف جنيه فقط، رافضًا عرضًا ماليًا أكبر من الزمالك، حبًا في النادي الذي شجعه منذ طفولته.

العصر الذهبي للأهلي وولادة “الماجيكو”

جاء انضمام أبو تريكة في توقيت مثالي، ومع عودة الساحر البرتغالي مانويل جوزيه، بدأ عصر الهيمنة؛ منذ أول مباراة له ضد طنطا، حيث سجل هدفين، وحتى آخر لحظة بقميص الأهلي، كان الماجيكو أيقونة الإبداع والروح الرياضية.

حقق أبو تريكة العديد من الإنجازات مع الأهلي، منها سبع بطولات دوري مصري، وثلاثة ألقاب كأس مصر، وأربع مرات كأس دوري أبطال إفريقيا، إلى جانب الفوز بكأس السوبر المصري أربع مرات، وكأس السوبر الإفريقي مرتين.

ويبقى هدفه الأسطوري في مرمى الصفاقسي التونسي في نهائي 2006 واحدًا من أكثر اللحظات الخالدة في ذاكرة جماهير الأهلي، حين حسم اللقب في الثانية الأخيرة بلمسة يسراه الذهبية.

محمد أبو تريكة
أبو تريكة – المصدر: Gettyimages

كما تألق في مسابقة كأس العالم للأندية، حيث شارك مع الأهلي في أربع نسخ، وحقق معهم المركز الثالث في 2006.

وفيما يخص مشاركاته مع منتخب مصر، كان أبو تريكة أحد الأعمدة الأساسية في تحقيق فوز الفراعنة بكأس الأمم الإفريقية في 2006 و2008، حيث لعب دورًا محوريًا في مسيرتهما نحو المجد القاري.

وتفرّد أبو تريكة بختام الإنجازين، بعدما سجل ركلة الترجيح الحاسمة في فوز الفراعنة بأمم إفريقيا 2006، قبل أن يسجل هدف الفوز في النهائي أمام الكاميرون في نسخة كان 2008.

على الصعيد الفردي، حصل أبو تريكة على العديد من الجوائز والتكريمات التي تبرز مكانته بين أفضل اللاعبين على مستوى القارة والعالم العربي، ففي عام 2008، حصل على لقب أفضل لاعب إفريقي في استفتاء جريدة “المنتخب” المغربية.

بالإضافة إلى لقب أفضل لاعب عربي في استفتاء جريدة “الهداف” الجزائرية عن نفس العام، ليتبعه العديد من الجوائز الأخرى مثل أفضل لاعب إفريقي لعام 2009 من “مجلة الهدف” الليبية، وأفضل لاعب في الدوري المصري لأربع سنوات متتالية.

أما على المستوى الدولي، فكان أبو تريكة هداف كأس العالم للأندية 2006، حيث أحرز ثلاثة أهداف ساهمت في فوز الأهلي ببرونزية البطولة.

أحداث بورسعيد.. محطة غيرت المسار

كانت مأساة ستاد بورسعيد عام 2012 نقطة تحول مؤلمة في مسيرة أبو تريكة، المشهد الإنساني الصعب أثّر فيه بشدة، ودفعه للتفكير في الابتعاد مؤقتًا عن الأجواء المحلية، لينتقل إلى بني ياس الإماراتي على سبيل الإعارة لمدة ستة أشهر.

ورغم قصر المدة، ترك بصمة واضحة، فقاد الفريق للفوز ببطولة الخليج للأندية لأول مرة في تاريخه، وسجل أهدافًا حاسمة أبرزها هدف قاتل في نصف النهائي أمام نجران في الدقيقة 95، وآخر في النهائي ضد الخور القطري.

عاد بعدها إلى الأهلي في منتصف 2013، ليقوده مجددًا نحو اللقب الثامن في دوري أبطال إفريقيا بعد تألق لافت أمام أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي، وسجل في النهائي ذهابًا وإيابًا.

وفي تلك البطولة، وعقب استبداله في الدقائق الأخيرة، لوّح لجماهيره بإشارة وداعٍ خالدة، كانت إيذانًا بنهاية حقبة استثنائية، وبعد المشاركة في كأس العالم للأندية بالمغرب، أعلن اعتزاله في نهاية 2013.

ولم يتوقف تألقه عند الملاعب، ففي يناير 2014، وبعد اعتزاله، فاز بجائزة أفضل لاعب في إفريقيا (داخل القارة) من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ليكون أول لاعب في التاريخ يحصل على هذه الجائزة بعد اعتزاله رسميًا؛ وظل القميص رقم “22” القميص المحبب لكل عشاق المارد الأحمر.

ماذا قالوا عن أبو تريكة؟

لقد ترك محمد أبو تريكة بصمة لا تُمحى في تاريخ كرة القدم المصرية والعالمية، ورغم أنه لم يخض تجربة احترافية في أوروبا، إلا أن موهبته الفذة وتأثيره الكبير على مستوى الأندية والمنتخبات جعلته يحظى بتقدير واحترام كبار لاعبي العالم.

وقد عبّر العديد من أساطير كرة القدم عن إعجابهم بمستوى أبو تريكة، ليس فقط لما قدمه داخل الملعب، بل أيضًا لما يمثله من قيم رياضية وأخلاقية جعلته رمزًا للمحبة والتقدير في قلوب جماهيره.

من ديديه دروجبا إلى محمد صلاح، ومن تشافي إلى مورينيو، اتفق الجميع على أن أبو تريكة هو أحد أبرز الأيقونات في تاريخ كرة القدم الإفريقية والعالمية، وحقق ما لم يحققه الكثيرون من حيث التأثير داخل الملعب وخارجه.

ديدييه دروجبا أسطورة كوت ديفوار: “أبو تريكة من أكثر الأساطير الأفريقية التي لم تحصل على حقها.”

جوزيه مورينيو المدرب البرتغالي المخضرم: “أعرف أبو تريكة جيدًا، ورأيته يفوز مع منتخب مصر بكأس الأمم الأفريقية. إنه لاعب مهاري وكان بإمكانه التأقلم مع الكرة الأوروبية.”

جوزيه مورينيو - أبو تريكة
جوزيه مورينيو – أبو تريكة (المصدر:Gettyimages)

محمد صلاح نجم ليفربول: “كنت أحرص دائمًا كلاعب ناشئ على متابعة أبو تريكة، ومحاولة الاستفادة منه.”

الحجي ضيوف نجم منتخب السنغال السابق: “كنت أتمنى اللعب بجوار محمد أبو تريكة.. كان يتمتع بمهارات خاصة ويتعامل مع الكرة بطريقة مختلفة وربما لو كان برازيليًا لكان من أفضل لاعبي العالم.”

تشافي هيرنانديز نجم برشلونة السابق: “محمد أبو تريكة لاعب مميز للغاية، أعتقد أنه أفضل لاعب عربي شاهدته، شاهدت أبو تريكة مع المنتخب المصري في بطولة كأس العالم للقارات 2009 بجنوب إفريقيا، وقدم أداءً رائعًا.”

تيري هنري نجم أرسنال وبرشلونة السابق: “مصر حققت العديد من النجاحات والدليل على ذلك هو وجود لاعب متميز مثل أبو تريكة لأنه يمثل حصاد نجاح الكرة المصرية.”

جي-جي أوكوتشا نجم نيجيريا السابق: “أبو تريكة هو رقم واحد في إفريقيا، ربما هو يلعب في مصر بينما الآلاف من الأفارقة يلعبون في أوروبا، لكن ما حققه يستحق الفخر.”

جينارو جاتوزو أسطورة منتخب إيطاليا: “المصري محمد أبو تريكة أفضل لاعب عربي، إنه لاعب مهاري وممتاز.”

وائل جمعة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق: “أبو تريكة شخص أمين وملتزم، قضيت معه نصف عمري، هو من أفضل الشخصيات التي رأيتها في حياتي.”

رابح ماجر نجم الكرة الجزائرية: “اختيار أفضل لاعب مصري في التاريخ أمر صعب، في العقد الأخير هناك محمد أبو تريكة.”

بطولات أبو تريكة مع النادي الأهلي

البطولة عدد مرات التتويج الأعوام
الدوري المصري الممتاز 7 مرات 2004–2005، 2005–2006، 2006–2007، 2007–2008، 2008–2009، 2009–2010، 2010–2011
كأس السوبر المصري 6 مرات 2005، 2006، 2007، 2008، 2010، 2012
دوري أبطال إفريقيا 5 مرات 2005، 2006، 2008، 2012، 2013
كأس السوبر الإفريقي 4 مرات 2006، 2007، 2009، 2013
كأس مصر مرتان 2006، 2007
كأس العالم للأندية (برونزية المركز الثالث) مرة واحدة 2006

بطولات أبو تريكة مع منتخب مصر

البطولة عدد مرات التتويج العام
كأس الأمم الإفريقية مرتان 2006، 2008
دورة حوض وادي النيل مرة واحدة 2011

الجوائز الفردية التي حصل عليها أبو تريكة

الجائزة عدد مرات التتويج الأعوام أو المواسم
جائزة الكاف لأفضل لاعب داخل قارة إفريقيا 4 مرات 2006، 2008، 2012، 2013
جائزة الكاف لأفضل لاعب إفريقي (المركز الثاني) مرة واحدة 2008
جائزة BBC لأفضل لاعب إفريقي مرة واحدة 2008
جائزة أفضل لاعب في مصر 5 مرات 2004، 2005، 2006، 2007، 2008
هداف كأس العالم للأندية مرة واحدة 2006 (3 أهداف)
هداف دوري أبطال إفريقيا مرة واحدة 2006 (8 أهداف)
هداف الدوري المصري الممتاز مرة واحدة موسم 2005–2006 (18 هدفًا)
هداف كأس مصر مرة واحدة 2007 (4 أهداف)

لماذا سُمى أبو تريكة بأمير القلوب؟

لقد كان “أمير القلوب” كما لقبه محبوه، اسمًا على مسمى داخل الملعب وخارجه، حيث لم يكن أبو تريكة مجرد نجم رياضي، بل كان رمزًا للقيم الإنسانية التي جعلته محط احترام الجميع.

وفي هذا السياق، كشف زميله السابق في الأهلي، أحمد شديد قناوي، عن جانب إنساني آخر من حياة “الماجيكو”.

في مقابلة تلفزيونية، تحدث قناوي عن مفكرة صغيرة كان أبو تريكة يحملها دائمًا أثناء معسكرات الفريق، مشيرًا إلى أنه كان يرفض تمامًا الإفصاح عن محتوياتها.

وقال قناوي: “كنت دائم الفضول لمعرفة السر وراء الأسماء المدونة داخل المفكرة، فقد كان أبو تريكة يحرص على إبقائها بعيدًا عن أنظار الجميع”.

وكشف قناوي أن أحد الأشخاص أخبره بأن هذه الأسماء كانت تخص أشخاصًا يحرص أبو تريكة على مساعدتهم بشكل دوري، حيث كانت تلك المساعدات تساهم في فتح أبواب الرزق لعدد من الأسر.

وأضاف قناوي: “كانت تلك المساعدات تساهم في تغيير حياة العديد من العائلات، وكان أبو تريكة دائمًا مستعدًا لدعمهم، سواء أثناء مسيرته أو بعد اعتزاله”.

على الرغم من أن محمد أبو تريكة قد اعتزل كرة القدم منذ عام 2013، إلا أن إرثه الرياضي والإنساني لا يزال حيًا في قلوب الملايين من عشاق كرة القدم في مصر والعالم العربي.

لم يكن أبو تريكة مجرد لاعب مهاري ومبدع داخل المستطيل الأخضر، بل كان أيضًا نموذجًا يحتذى به في تواضعه وكرمه، سواء على مستوى النادي الأهلي أو منتخب مصر.

كانت مسيرته مليئة بالألقاب والإنجازات، لكن ما يميز أبو تريكة أكثر هو ما قدمه للآخرين خارج الملعب، من خلال مساعداته الإنسانية التي جعلت منه “أمير القلوب” بالفعل، قبل أن يكون نجمًا رياضيًا.





‫0 تعليق

اترك تعليقاً