الوصفة السحرية.. كيف حول سلوت ريال مدريد إلى أسد بلا أنياب في ليلة أنفيلد؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


كتب : منصور مجاهد

على ملعب أنفيلد، وفي أجواء أوروبية تفيض بالحماس، قدّم ليفربول مباراة تكتيكية من الطراز الأول أسقط بها ريال مدريد المدجج بالنجوم بهدف نظيف، ليعيد رسم ملامح قوته الأوروبية من جديد.

ورغم أن النتيجة 1-0 لا تبدو كبيرة رقميًا، فإنها تحمل دلالات ضخمة فنيًا، إذ أظهرت كيف أن الهولندي أرني سلوت نجح في إيجاد “الوصفة السحرية” التي طالما بحث عنها منذ توليه قيادة الفريق، متغلبًا على تشكيلة ريال بقيادة الإسباني تشابي ألونسو الذي بدا عاجزًا أمام التنظيم الحديدي والمرونة التكتيكية للريدز.

أليكسيس ماك أليستر - هوجو إيكيتيكي - ليفربول - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
أليكسيس ماك أليستر – هوجو إيكيتيكي – ليفربول – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

سلوت يغيّر معادلة الضغط من الجذور

منذ انطلاق المباراة، كان واضحًا أن سلوت لم يدخل اللقاء بخطة كلاسيكية، بل بمزيج مدروس من الضغط الذكي والتمركز المرحلي، فعلى عكس ما فعله أمام تشيلسي وبرنتفورد في الجولات السابقة — حيث لعب بضغط عالٍ بثلاثي هجومي كامل أدى إلى فراغات كبيرة في الوسط — قرر هذه المرة الاعتماد على ضغط ثنائي ذكي بقيادة محمد صلاح وهوجو إيكيتيكي، مع تمركز فلوريان فيرتز خلفهم كرقم (10) متأخر يغلق المساحات بين خطوط ريال مدريد.

في هذا النظام، لم يعد المهاجم الأول (إيكيتيكي) يركض نحو الحارس (كورتوا)، بل يتجه بزاوية نحو قلب الدفاع أو الظهير لقطع خطوط التمرير الجانبية، أما صلاح فكان يغلق الممر بين ميليتاو وكامافينجا، مما أجبر ريال مدريد على إخراج الكرة ببطء عبر الكرات الطويلة التي تعامل معها فان دايك وكوناتي بسهولة.

ترينت ألكسندر أرنولد - ليفربول - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
ترينت ألكسندر أرنولد – ليفربول – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

بهذا الأسلوب، حقق ليفربول توازنًا نادرًا ما تحقق هذا الموسم بين الجرأة في الضغط وتجنّب المخاطر، وهي النقطة التي كانت تؤرق الفريق منذ رحيل كلوب.

مرونة هجومية مذهلة بتوقيع فيرتز وسوبوسلاي

في الجانب الهجومي، كشف سلوت عن مرونة تكتيكية غير مسبوقة، فإيكيتيكي لم يكن مهاجمًا ثابتًا، بل كان يتحرك بشكل قطري بين قلب الدفاع الأيسر والظهير، فاتحًا المساحة أمام فيرتز الذي يتسلل في العمق ليصبح مهاجمًا خفيًا بين الخطوط، هذه الفكرة البسيطة في التحرك كانت المفتاح الذي أربك دفاع ريال مدريد.

من خلفهم، أدار دومينيك سوبوسلاي الإيقاع بدقة متناهية، متبادلًا الأدوار مع جرافنبيرخ في الضغط والتمرير الأول، أما ماك أليستر، فكان هو محور التوازن، لاعب “الوصلة” بين الدفاع والهجوم، الذي يعرف متى يمرر ومتى يقطع، ومتى يتحول إلى الضغط المباشر أو إغلاق زوايا التمرير، وهو من تُوج مجهوده بهدف اللقاء الوحيد برأسية صاروخية في الدقيقة 63 بعد تنفيذ مثالي من كرة ثابتة لسوبوسلاي.

التنظيم الدفاعي.. ليفربول الجديد لا يُهاجم بلا عقل

من كان يتابع ليفربول في بداية الموسم يعرف أن مشكلته الأكبر كانت الفوضى في التغطية الدفاعية بعد فقدان الكرة، لكن ما قدمه الفريق أمام ريال مدريد كان نقيضًا تامًا لذلك.

الرباعي الخلفي — روبرتسون، فان دايك، كوناتي، برادلي — قدّم درسًا في الصلابة والتمركز، المدهش أن الفريق لم يعتمد على خط دفاع متقدم كما في حقبة كلوب، بل استخدم سلوت فكرة “الضغط المرحلي” (staggered pressing)، أي أن الفريق يضغط في اللحظة التي يحاول فيها الخصم عبور منتصف الملعب، لا قبل ذلك، لتقليل المساحات خلف الظهيرين.

وكان برادلي، الظهير الشاب، أحد نجوم المباراة بلا منازع؛ فقضى على خطورة فينيسيوس جونيور تمامًا، إذ لم ينجح النجم البرازيلي سوى في مراوغة واحدة طوال اللقاء — رقم قياسي سلبي بالنسبة له في دوري الأبطال، وهذا يعود لتوقيت الضغط المثالي من برادلي ودعم سوبوسلاي له في كل موقف ثنائي.

ريال مدريد.. أسد بلا أنياب والفضل لخطة سلوت

على الجانب الآخر، عانى ريال مدريد من بطء التحضير، وتأخر ظهيري الجنب في التقدم، خوفًا من التحولات السريعة لصلاح وفيرتز، ألونسو حاول أن يبني اللعب من العمق عبر بيلينجهام وكامافينجا، لكن الثنائي كان محاصرًا بضغط متواصل من جرافنبيرخ وماك أليستر، أما مبابي، فبدا معزولًا تمامًا بين فان دايك وكوناتي، اللذين أغلقا عليه المنافذ تمامًا.

لم يسدد ريال مدريد سوى تسديدتين على المرمى طوال المباراة — رقم يعكس شللًا هجوميًا تامًا — وهو ما لم يحدث للفريق في دوري الأبطال منذ أكثر من عشر سنوات، يمكن القول إن ريال مدريد امتلك الكرة لكنه لم يمتلك “القدرة” أمام دفاعات ليفربول.

الهدف.. لقطة تلخّص فلسفة سلوت

الهدف الذي سجله ماك أليستر في الدقيقة 63 لم يكن مجرد ضربة حظ، بل ثمرة لفكرة، قبل الكرة الثابتة، كان فيرتز يتحرك نحو القائم البعيد لجذب ميليتاو معه، فيما تحرك إيكيتيكي على القائم القريب ليُربك كورتوا، ما ترك مساحة لماك أليستر القادم من الخلف، كرة سوبوسلاي كانت دقيقة كالسهم، ورأسية أليستر جاءت كترجمة صريحة للتفوق التكتيكي في التفاصيل الصغيرة.

ليفربول ضد بيرنلي: أين تشاهد مباريات الدوري الإنجليزي 2026؟
دومينيك سوبوسلاي – ريان جرافينبيرش – ليفربول (المصدر:Gettyimages)

بعد تجارب تكتيكية كثيرة منذ انطلاق الموسم، يبدو أن أرني سلوت قد وجد أخيرًا “توليفته الذهبية” المكونة من: (ماك أليستر – جرافنبيرخ – سوبوسلاي) في الوسط، و(فيرتز – إيكيتيكي – صلاح) في الأمام.

هذه المنظومة تملك كل عناصر النجاح:

  • لاعب ارتكاز ذكي في التمرير.
  • جناح مرن قادر على التحول كمهاجم وهمي.
  • صانع لعب ديناميكي يتحكم في الإيقاع.

نجاح هذا المزيج ضد أستون فيلا كان نذيرًا بعودة ليفربول إلى صلابته، لكن مواجهة ريال مدريد أكدت أن الفريق بلغ مرحلة النضج التكتيكي لطالما بحث عنها سلوت هذا الموسم.

إحصائية فريدة لفريق ليفربول أمام ريال مدريد

ليفربول هو الفريق الوحيد في تاريخ دوري أبطال أوروبا وكأس أوروباالذي فاز على ريال مدريد 5 مرات دون أن يستقبل أي هدف، في سلسلة تمتد من عام 1981 وحتى 2025 وهو إنجاز لم يحققه أي نادٍ آخر أمام العملاق الإسباني.

الموسم النتيجة المناسبة الملعب
1981 ليفربول 1–0 ريال مدريد نهائي كأس أوروبا حديقة الأمراء – باريس
2009 ريال مدريد 0–1 ليفربول ذهاب دور الـ16 سانتياجو برنابيو – مدريد
2009 ليفربول 4–0 ريال مدريد إياب دور الـ16 أنفيلد – ليفربول
2024 ليفربول 2–0 ريال مدريد دور المجموعات أنفيلد – ليفربول
2025 ليفربول 1–0 ريال مدريد دور المجموعات أنفيلد – ليفربول

توقيت مثالي قبل موقعة الاتحاد

يأتي هذا الانتصار في لحظة مثالية قبل مواجهة مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد الأسبوع المقبل، فمن الناحية النفسية، استعاد الفريق ثقته بنفسه، ومن الناحية التكتيكية، أصبح سلوت يملك خطة متكاملة تجمع بين الصلابة الدفاعية والإبداع الهجومي.

ليفربول اليوم لا يعتمد على “فرد”، بل على منظومة تعرف متى تضغط، ومتى تُغلق، ومتى تُهاجم، ما فعله سلوت أمام ريال مدريد ليس مجرد انتصار تكتيكي، بل بيان هوية لفريق يتشكل من جديد، فأصبح يلعب بعقل أوروبي ناضج، ضغط محسوب، تمركز دقيق واستغلال كامل للمساحات، فيبدو أن سلوت يبني مجده على “التحليل والانضباط”.

هذه هي الوصفة السحرية التي جعلت ريال مدريد يبدو بلا حلول وكأن كتيبة تشابي ألونسو تحولت إلى أسد بلا أنياب، وجعلت أنفيلد يستعيد سحره القديم، وفي النهاية، يمكن القول باختصار ليفربول لم يهزم ريال مدريد بالقدم فقط.. بل بالفكر أولًا.





‫0 تعليق

اترك تعليقاً